تُعتبر عملية تغيير المسار الوظيفي أو ما تُعرف بـالـ"كارير شيفت" واحدة من أكثر الأشياء الحساسة على الصعيد العملي، فالتضحية بسنين الخبرة والخلفية العلمية قد لا يكون أمر هين بالنسبة للبعض، إلا أنه قد يكون أمراً ضرورياً في بعض الأحيان.
 

تغيير المسار الوظيفي أمر ليس استثنائياً أو ظاهرة تحدث على المدى البعيد كما يعتقد البعض وفقاً لما كان يحدث في الماضي، فمعظم الدراسات الحديثة تُشير إلى أن نسب مرتفعة من القوى العاملة حول العالم تقوم بتغيير مسارها الوظيفي خاصةً في السنوات الأولى من دخول سوق العمل. ومنها على سبيل المثال السوق الهندي حيث أن 30% من إجمالي القوى العاملة في الهند تقوم بتغيير مساراتها الوظيفية بعد 12 شهر فقط من بدايته.
 

هذا الأمر ليس مقتصراً على دولة قد تبدو دولة نامية مثل الهند، ففي الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا كذلك يُبدي عدداً ليس هيناً من القوى العاملة هناك استعداداتهم بإتخاذ قرار تغيير المسار الوظيفي.

 

أسباب تغيير المسار الوظيفي

 

تغيير المسار الوظيفي مسألة عقلانية أكثر من انها ترفيهية، فعلى الرغم من أن البعض يتخذ هذا الأمر بناءً على قرارات تميل إلى الشغف أو الهوى إلا أن القرار قد يكون متعلق بأسباب عملية أو ربما أسباب إجبارية.
 

ولنوضح أكثر هذه النقاط يجب أولاً أن نُشير إلى أن هذه الأسباب هي ديناميكية بحته لا تستند على قواعد ثابته وربما يكون لديك أسباب مغايره تماماً لإتخاذ هذا القرار.

 

الأسباب العملية

 

- ضعف الرواتب

أحد أبرز الأسباب التي تتعلق بالجوانب العملية في اتخاذ قرار تغيير المسار الوظيفي هي ضعف الرواتب، فعدم الرضا عن مستوى الدخل سيجعل أمر الروتين الوظيفي أكثر سوءً من سابقه وهو ما يأخذ الأشخاص رويداً رويداً إلى منطقة عدم تقبل العمل في هذا المجال.

 

- ضعف التقدير المعنوي

ربما يكون هذا الأمر غير ضرورياً بالنسبة للبعض ولكنه مصيرياً بالنسبة لأخرين، فهناك صلة أساسية بين تغيير المسار الوظيفي وبين ضعف التقدير المعنوي الذي يحصل عليه من يعمل في مجال معين. وهنا تجدر الإشارة إلى أن هذا التقدير قد يكون من الإدارات أو من العملاء أنفسهم أو حتى من الأهل والأصدقاء.

 

- إنعدام فرص التقدم

ينطبق هذا الأمر على الأشخاص ذوي الطموح المستمر في التقدم بمكانتهم العملية، خاصةً وإن كانوا يعملون لأهداف جانبيه مع المكاسب المادية.

فهناك بعض الوظائف التي لا تقدم مساحة تطور ملحوظة فربما تبدأ حياتك المهنية عند النقطة (أ) وتنتهي بعد 35 عاماً في نفس النقطة.

 

الأسباب الإجبارية

 

- احتياج سوق العمل

قد يكون سوق العمل عاملاً إجبارياً في مسألة تغيير المسار الوظيفي، وهنا بالطبع نتحدث عن قلة الفرص المتاحة أمام مجال الوظيفة كأن تكون مدرباً للتزلج  مثلاً!

 

 

هل أنت بحاجه لتغيير المسار الوظيفي؟

 

للإجابة على هذا السؤال بشكل قاطع أمامك بعض الحلول، إما النظر على الأسباب التي تطرقنا لها في الأعلى أو الإجابة بشكل مُختصر على هذه الأسئلة..

 

ما هي دوافعك للعمل؟

هل تعمل من أجل المال أم من أجل المنصب أم من أجل إيصال رسالة معينة (كالعمل في مؤسسة حقوقية معينة)، بعد الإجابة على هذا السؤال ستحدد مبدئياً هل المسار الوظيفي الذي تعمل به مناسب لك أم لا.

 

هل توقف شغفك؟

ربما يكون الشغف جزءً لا ينتمي ابداً للحياة المهنية، ولكن إن توقف شغفك عن العمل بشكل عام فهنا تكمن مشكلة ما.

 

ما هو الوقت المناسب لتغيير المسار الوظيفي؟

 

لا تتحلى بالشجاعة المُفرطة! .. لا يمكن الإجابة على هذا السؤال بشكل جذري من الوهلة الأولى، فقرار تغيير المسار الوظيفي يبدو ظاهرياً سهل إلا أن هذا غير صحيح بالمرة خاصةً وأنه قرار مصيري.

 

فتغيير المسار الوظيفي هو قرار عملي بالفعل؛ ولكنه مؤثر بكل الطرق على الحياة الشخصية، وهو ما يجعل أمر اتخاذه متوقفاً على الحالة التي يمر بها كل شخص.

فعلى سبيل المثال سيكون هذا القرار أكثر سهولة للشخص الأعزب الذي يحمل مسؤوليته الشخصية فقط، عن الذي يملك أسرة وأولاد ولديه إلتزامات عائليه يجب تغطيتها والتي غالباً ستتأثر بشدة من هذا القرار.
كما يجب النظر ايضاً إلى تقلبات الأسواق المقترح الدخول بها، حيث أن من غير المنطقي الإنتقال لأسواق عمل في فترة غير مستقرة.

وبشكل عام إن كان لديك "صندوق احتياطي" يُغطي نفقاتك لفترة مناسبة فيمكنك أخذ قرار تغيير المسار الوظيفي بصورة أسهل، مع مراعاة مدى توافق مهاراتك مع المجال الوظيفي الجديد.

 

كيف تبدأ في تغيير مسارك الوظيفي؟

 

1- تأكد أن قرارك مناسب

إذا كانت لديك أسباب فالنصيحة الأخيرة لتتأكد من أن قرارك كان صائباً هو النظر بتمعن أكثر للنقطة الماضية حول الوقت المناسب لأخذ قرار تغيير المسار الوظيفي والذي يعد الجزء الأهم من هذا القرار.
 

2- حدد المجالات التي تناسبك

قم بوضع قائمة بالمجالات الأكثر ملائمة بالنسبة لك، سواءً من خلال مهاراتك أو شغفك، مع الوضع في الحسبان أن تكون هذه المجالات بها فرص عمل أو على الأقل ليست أسواق مغلقة.
 

3- أحصل على استشارة

هناك بعض المسؤولين الآن عن تخطيط الحياة المهنية (career coach) والذي بإمكانك الرجوع لهم من أجل الحصول على استشارة في أفضل الخيارات التي يمكنك من خلالها تغيير مسارك الوظيفي.

هذا الأمر ليس ضرورياً إلا أنه إضافة ليست سيئة ايضاً.
 

4- قم بمراجعة شبكة علاقتك القديمة

ربما يكون لديك طرق أسهل بكثير للدخول إلى مجال وظيفي أخر من خلال شبكة علاقاتك القديمة، فعلى أغلب الظن ستجد أنك قد تعاملت مع أحداً من العملاء القدامى والذي يمكنه مساعدتك الآن في الترشح للوظيفة الجديدة.
 

5- أعد اكتشف مهاراتك

ربما كانت لديك بعض المهارات التي أهملتها بسبب ظروف عملك السابق والتي ستكون بحاجه ماسة لإعادة اكتشافها مرة أخرى لتوظيفها بالمكان المناسب.

على الأغلب تكون هذه المهارات متمركزة في اللغات الأجنبية، ومهارات التواصل والقيادة وما شابه.


6- ضع خطة تطور

سواءً كنت تعمل على رأس الهرم أو في أقل مركز من التدرج الوظيفي في مجالك القديم، فهذا الأمر لا يعني شيءً عندما تتخذ قرار الكارير شفت، حيث أنك ستكون مطالباً بوضع خطة تطور جديدة كلياً لمواكبة تغير مجالك الوظيفي.

 

أوقف أحلامك الوردية!

 

لا أعتقد أن أحداً يملك الكلمات المناسبة لوصف الشعور المُستَفَز عندما يتحدث أحدهم عن "كيف تصبح مليونيراً من عملك في هذه الوظيفة".
 

وللأسف الشديد هذه العبارة هي سبب رئيسي في كثير من الأحيان بأخذ الأشخاص لخطوة تغيير المسار الوظيفي.

فقبل عدة سنوات كان لدي رغبة عارمة للعمل في مجال التسويق لما يُقدمه من مزايا مالية كبيرة للغاية (كما كانوا يقولون) ولكني فعلياً كنت أَجَني أرباحاً أكثر من عملي كمصمم مقارنةً بتلك التي كانت تأتي في خيالي من عملي بالتسويق والتي كان من المستحيل أن أحصل عليها في بداياتي بمجال مختلف.
 

رسم الأحلام الوردية بناءً على تجارب يُسرد منها الجانب الإيجابي فقط قد يكون سبباً أساسياً في تدمير الحياة المهنية.

فلا يوجد وظيفة معينة يمكنها أن تجعل منك مليونيراً وأخرى ستُطيح بك إلى طبقة الفقراء، ما دمت غير متقن لشيء فلا تدع الأمور المادية تُغلق عينيك عن أشياء أكثر أهمية كأن تكون مؤهلاً لإتخاذ القرار أو أن تكون الوظيفة مناسبة لقدراتك أو لا.